top of page
Search

وهم التغيير الديموغرافي: قراءة هادئة في خطاب متوتر

  • Writer: حيازة وحمل
    حيازة وحمل
  • Mar 16
  • 3 min read

التمهيد: ما لم نندمج، لن ننجو


الخطر الحقيقي في الخطابات التي تُخوّف من “التغيير الديموغرافي” لا يكمن في مضمونها فقط، بل في الذهنية التي ترسّخها:

ذهنية أن لكل مكون جغرافيته، ولكل جماعة حدودها، ولكل طائفة مناطقها الخاصة.


هذا النمط من التفكير، حين يُصبح عرفًا اجتماعيًا، يُحوّل البلد إلى ثلاث خرائط معلّقة تنتظر أن تُفصل رسميًا:

شيعية في الجنوب والوسط، سنية في الغرب والشمال الغربي، وكردية في الشمال الشرقي.

ومع استمرار الانغلاق وفشل الاندماج، فإن أي حركة انفصالية لن تحتاج إلى حرب، بل مجرد توقيع، أو ظرف سياسي ملائم.


التمازج المجتمعي ليس رفاهية، بل شرطٌ للبقاء كدولة.

الوطن الذي لا يسكن بعضُه في بعض، يسهل اقتلاعه قطعة قطعة، دون مقاومة.



تنويه: هذه ليست قضية رأي بل قضية دفاع


هذا الطرح لا يصدر عن موقف سياسي أو رغبة في التنظير الاجتماعي، بل عن رؤية ستراتيجية واضحة:

أي بلد لا يمتلك نسيجًا اجتماعيًا متداخلًا، سيكون أكثر قابلية للاختراق والانهيار عند أول مواجهة حقيقية.

الحديث عن “التغيير الديموغرافي” ليس ترفًا فكريًا، بل متعلق مباشرة بمفهوم الأمن القومي والدفاع المدني.

لا يمكنك بناء منظومة ردع فعالة في بلد مقسّم نفسيًا، لا يعرف بعضه بعضًا، ويخاف جزء منه من الآخر أكثر مما يخاف من العدو.



درس داعش: عندما يُصبح المجتمع هو الثغرة


حين سيطر تنظيم داعش على مساحات شاسعة من العراق في عام 2014، لم تكن الهزيمة عسكرية فقط، بل كانت نتيجة فراغ اجتماعي وانغلاق داخلي.

المدن الكبرى مثل الموصل وتكريت لم تنهَر بسبب نقص السلاح، بل لأن مجتمعاتها كانت تعاني من عزلة داخلية، وانفصال شعوري عن بقية العراق.


غياب التنوع، ورفض الآخر، وسيطرة الروح المناطقية، جعلت تلك المجتمعات أقل قدرة على الصمود في لحظة الخطر.

لم تتشكّل مقاومة شعبية من الداخل، لأن الإحساس بالمواطنة المشتركة كان هشًا.

وداعش لم يدخل الموصل بالدبابة، بل بمزيج من الفراغ الأمني والانقسام المجتمعي.



كيف يُستخدم المصطلح لإدامة المحاصصة


لا يُطرح مفهوم “التغيير الديموغرافي” في النقاش العراقي الحديث بوصفه توصيفًا سكانيًا محايدًا، بل كثيرًا ما يُستعمل كأداة لحماية النظام القائم على المحاصصة.

من يروّج هذا المفهوم، غالبًا لا يسعى لحماية الهوية، بل لتجميد المجتمعات داخل مربعاتها الطائفية والمناطقية،

حتى تظل الخارطة السياسية صالحة لإعادة التدوير.

المجتمع المنغلق يُنتج سلوكًا سياسيًا متوقعًا، ويمكن التحكم فيه، أما المجتمعات المتداخلة فتُربك الحسابات، وتُهدد بنسف المعادلة القائمة.



بغداد: بين المركزية والتوتر الصامت


بغداد كانت دائمًا مدينة جذب، لا بسبب تميّزها البنيوي فقط، بل لأن سياسات الدولة ركّزت فيها مؤسساتها وخدماتها وفرصها.

الهجرة إلى بغداد لم تكن خيارًا ترفيهيًا، بل كانت استجابة طبيعية للإهمال المزمن في الأطراف.


ومع تزايد الحركة السكانية نحو العاصمة، تصاعدت لغة غير رسمية لكنها حاضرة في الشارع: لغة التصنيف.

يُطلق على القادمين من الجنوب مصطلح “الشروگ”، في إشارة تحقيرية تُحمّلهم مسؤولية كل خلل عمراني أو فوضى إدارية،

وكأنهم هم من كتبوا قوانين التوزيع غير العادل للثروة أو قرروا تجاهل تنمية مدنهم.


وفي بعض الخطابات، يُعاد الحديث عن سكان “تعداد 1957” بوصفهم المعيار الوحيد للانتماء المشروع إلى العاصمة،

وكأن المواطنة حكرٌ وراثي يُحفظ في ملفات قديمة، لا علاقة له بالحاضر ولا بالواقع السكاني.



خطاب النسيج: بين الحذر والحرمان


التحفظ على التغيرات السكانية لا يُقال دائمًا بصراحة، بل يظهر في التلميحات: “الوضع حساس”، “المنطقة ما تتحمل التغيير”.

قد تكون بعض المخاوف مفهومة من زاوية أمنية أو نفسية، لكن تحويلها إلى عرف ثابت يعني ببساطة حرمان المواطن من حقوقه الأساسية.

المدن لا تُحمى بالعزلة، بل بالثقة. ولا تُبنى بالخوف، بل بالحق.



الإعلام: بين التنبيه والتهويل


للإعلام دورٌ في تشكيل المزاج العام.

لكن المشكلة حين يتحوّل بعضه من ناقل للمعلومة إلى صانع للذعر.

كل صفقة عقار تُعرض كغزو، وكل انتقال سكني يُقدَّم كاختراق.

وهكذا، يُزرع القلق بدل الفهم، ويُشيطن المواطن بدل أن يُطمأن.



مقارنة لا تحتمل التجميل


في كثير من الدول المتقدمة التي تُدار بمنطق القانون، لا يمكن حرمان أي مواطن أو مقيم شرعي من السكن أو التملّك في أي منطقة تعجبه،

لمجرد أن لهجته مختلفة، أو اسمه غير مألوف، أو تاريخه لا يعجب سكان الحي.


المدن هناك ليست ملكية خاصة لعائلات أو طوائف أو “أهل المنطقة”.

الحق في الإقامة والتنقّل والتملك مكفولٌ بالدستور والقانون، لا مرهونٌ برضا العُرف أو رأي الجيران.


وحتى إن لم يُعجب هذا الوضع بعض السكان، فهم لا يستطيعون تغييره، لأن النظام القانوني لا يُساوم على هذه المبادئ.

ولهذا تبقى تلك الدول أكثر استقرارًا سياسيًا وأمنيًا، لأن الأوطان هناك تُبنى على الحق، لا على المزاج الجمعي أو الخوف من الآخر.



ما العمل؟


الحل لا يبدأ من القانون وحده، بل من الاعتراف الصريح أن لدينا مشكلة في بنية التفكير العام.

نحتاج لإعادة توزيع المشاريع والخدمات بشكل عادل، وإلى إعلام يُعيد تعريف “النسيج” بأنه تداخل لا نقاء، واندماج لا عزل.


أما على المستوى الفردي، فكل شخص قادر على أن يبدأ التغيير:

أن يسكن حيث يريد، أن يصادق من لا يشبهه، أن يتعامل مع الناس بوصفهم بشرًا لا ملفات سكانية.





 
 
 

Comments


bottom of page