top of page
Search

الرؤية عن بُعد في المنظور الشيعي

  • Writer: حيازة وحمل
    حيازة وحمل
  • Mar 12
  • 4 min read

أنا لست باحثا في الدين، فقط قمت بكتابة هذا المنشور وشاركت فيه بعض الأفكار والمعلومات. أعتذر إذا كان هناك أي اخطاء أو تقصير في طرح الموضوع.


شهد العصر الحديث بروز ظواهر نفسية ومعرفية غير تقليدية، ومنها ما يُعرف بـ"الرؤية عن بُعد" أو "الإدراك غير الحسي"، التي تُعرّف بأنها قدرة الإنسان على مشاهدة أماكن أو أحداث تقع في مواضع جغرافية بعيدة دون استخدام الحواس الخمس أو الوسائل المادية، بل عبر أدوات ذهنية وروحية بحتة.


وقد تم تبنّي هذه الفرضيات في بعض المشاريع الاستخباراتية، كما حصل في برنامج "ستار گيت" الأمريكي، الذي حاول دراسة وتوظيف هذه الظاهرة بشكل علمي ميداني. ومع أن هذه الظاهرة تُعد في العلوم المادية مثار جدل وتجريب، فإنها تحضر في التراث الإسلامي، وبشكل خاص في المدرسة الإمامية الشيعية، بشكل أكثر عمقًا وانتظامًا وتفسيرًا.


إن هذه الدراسة تتناول الرؤية عن بُعد من منظور شيعي صرف، بعيدًا عن الأساليب التجريبية الغربية، مع ربطها بالمفاهيم الإسلامية الراسخة كالعلم اللدني، والكرامة، والكشف، والفراسة، وإيضاح الفرق بين الرؤية الموهوبة من الله تعالى وبين الادعاء أو الشعوذة.


الرؤية عن بُعد في المفهوم الحديث ترتبط غالبًا بمحاولات الوصول إلى أماكن أو معرفة معلومات عن بُعد بواسطة الذهن، وهي تختلف تمامًا عن استخدام الحواس أو وسائل النقل والاتصال. في حين أن الأدبيات الإمامية لا تستعمل هذا المصطلح، إلا أنها تتناول ذات الظاهرة من خلال مفاهيم عرفانية وعقائدية عميقة.


في القرآن الكريم، نجد إشارات إلى علوم تُمنح لأشخاص معينين، تتجاوز المألوف الحسي. مثل قوله تعالى في قصة آصف بن برخيا: (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك)، حيث يشير العلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان إلى أن هذا العلم لم يكن ماديًا بل علم باطني حصل نتيجة اتصال خاص بعالم الغيب.


كذلك في قوله تعالى: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض)، حيث يرى بعض المفسرين من الشيعة أن المقصود هنا هو الكشف الباطني، أي الرؤية القلبية التي تدرك حقيقة الوجود، لا الظاهر الحسي فقط.


أما في الروايات عن أهل البيت عليهم السلام، فهي كثيرة في الدلالة على العلم غير العادي لدى الأئمة (ع). منها ما رواه الكليني في الكافي عن الإمام الصادق (ع): "إنا لا نعد الرجل من أصحابنا فقيهًا حتى يكون محدثًا"، أي يُلقى في روعه العلم من الله. وفي رواية أخرى: "والله إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض"، وهو ما يُعرف في العقيدة الإمامية بـ"العلم اللدني" الذي يحصل عليه الإمام بإذن من الله تعالى.


كذلك، في الأثر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): "لو شئت لأخبرتكم بما في بيوتكم وما في خزائنكم"، في إشارة واضحة إلى إدراكٍ غير مبني على مشاهدة حسيّة، بل على انكشاف داخلي بإذن إلهي.


وهنا تبرز أهمية التمييز بين علم الأئمة الذي هو بإذن الله، وبين دعوى بعض الأشخاص القدرة على رؤية البعيد عبر وسائل عقلية أو تجريبية، فإن الفارق كبير. علم الأئمة محصور في من ثبتت له العصمة والولاية، وليس مكتسبًا عبر جهد عقلي أو تدرب نفسي.


في العرفان الشيعي، وخاصة ضمن مدرسة النجف وقم، يُعرف هذا الإدراك بمصطلح "الكشف"، وهو من مراحل السير والسلوك إلى الله. حيث يتم تصفية النفس، وتهذيب الباطن، والانقطاع عن الدنيا، حتى يُفتح للعارف شيء من نور الحقيقة. ومن أشهر الشخصيات العرفانية التي نُسب إليها هذا الكشف: السيد علي القاضي الطباطبائي، الذي كان يقرأ باطن تلامذته وينصحهم بما يحتاجون قبل أن يتكلموا. وكذلك الشيخ محمد تقي بهجت، الذي نُقل عنه الكثير من المواقف التي تشير إلى إدراكه الخفي لحال زائريه دون كلام منهم.


الفقهاء بدورهم لا ينكرون الكرامات، لكنهم يُشدّدون على أنها لا تصلح كوسيلة لتأسيس حكم شرعي أو إثبات ولاية، ولا ينبغي الانشغال بها عن العبودية. فكم من مدّعٍ ضلّ بسبب وهم أو غرور. ولذلك فإن التمييز بين الكرامة الحقيقية والادعاء الزائف ضرورة عقدية وفقهية.


وفي روايات الغيبة، هناك إشارات إلى أن أصحاب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سيكونون ذوي قدرات روحية عظيمة، منها أنهم يرون الإمام دون وساطة، ويسمعون صوته عن بُعد، في قوله: "يُكلمهم الإمام وهم في أماكنهم، ويرونه دون أن يروه"، مما يُفهم على أنه إدراك روحي غير تقليدي.


أما عند أهل السنة، فقد وردت روايات تُفهم على أنها إدراك عن بُعد، مثل قصة "سارية الجبل" التي يُروى أن عمر بن الخطاب نادى فيها أحد قادة جيشه وهو بعيد عنه، فسمع الصوت وامتثل، وهي رواية ضعيفة السند، لكنها متداولة في كتبهم في باب الكرامات، دون أن تبنى عليها عقيدة أو نظرية معرفية.


وأخيرًا، في مشروع "Stargate Project" الذي أطلقته المخابرات الأمريكية، جرى تدريب أفراد على ممارسة الرؤية عن بُعد في سبيل التجسس والمعرفة العسكرية، واستمر المشروع أكثر من عشرين عامًا، وانتهى في 1995 بسبب ضعف النتائج. وقد أثبتت التجربة الغربية أن هذا النوع من "الرؤية" لا يُضبط ولا يُكرر علميًا.


أما في الفكر الشيعي، فإن مثل هذه الظواهر لا تُنال بالتدريب أو الاسترخاء الذهني، بل هي ثمرة إخلاص وتقوى وولاية. الرؤية عن بُعد عند الشيعة ليست مهارة، بل كرامة وهبة. ومن دون ولاية محمد وآل محمد، فلا كشف يُعتمد، ولا فراسة يُؤخذ بها.


وبذلك يتبيّن أن الرؤية عن بُعد ليست غريبة عن الموروث الشيعي، لكنها تُفهم ضمن منظومة عقائدية صارمة، تحفظها من الانحراف والدجل.


مشروع بوابة النجوم (Stargate Project):

مشروع "بوابة النجوم" هو الاسم الرمزي لبرنامج سريّ أطلقته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) والجيش الأمريكي، بهدف استكشاف القدرات النفسية الخارقة – وعلى رأسها الرؤية عن بُعد (Remote Viewing) – من أجل استخدامها في العمليات الاستخباراتية والعسكرية.


تأسس البرنامج في عام 1972 تحت إشراف معهد أبحاث ستانفورد (SRI International)، كردّ فعل على معلومات تشير إلى أن الاتحاد السوفييتي كان يطوّر "أسلحة نفسية". وقد مرّ المشروع بعدة أسماء رمزية قبل أن يستقر على "Stargate".


كان الهدف من البرنامج استخدام الرؤية عن بُعد لتحديد مواقع منشآت سرية، أو التنبؤ بأحداث سياسية، أو معرفة أماكن اختفاء أشخاص أو طائرات. وقد خضع المشاركون فيه لجلسات مراقبة داخل غرف عازلة، طُلب منهم خلالها وصف أماكن أو أشخاص بناءً على رموز مشفّرة فقط.


من أبرز المشاركين:- إنغو سوان (Ingo Swann): من أوائل المطورين لمنهجية "الرؤية المنظّمة عن بُعد".


- جوزيف ماكمونيغل (Joseph McMoneagle): عميل استخبارات سابق، زعم أنه أنجز أكثر من 200 مهمة.


- الفيزيائيان هال بوتوف وراسل تارج: قادا الجانب البحثي في المعهد.


رغم بعض الجلسات المثيرة، إلا أن التقييم النهائي للبرنامج عام 1995 خلُص إلى أنه لم يُقدّم نتائج موثوقة، وتم إغلاقه رسميًا. وقد نُشرت لاحقًا مئات الوثائق من المشروع بعد رفع السرية عنه.


من المنظور الشيعي، تُرفض هذه الأساليب لأنها تحاول اختراق عالم الغيب بوسائل مادية غير مشروعة. فالكشف والرؤية عن بُعد – إن وُجِدت – هي كرامات وهبات ربانية لا تُنال بالتدريب الذهني، بل بالإخلاص والسير الروحي الصحيح.


قال الإمام الصادق (عليه السلام): "ليس العلم بالتعلم، إنما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء."




 
 
 

Comments


bottom of page